خواطر في ظلال الحرمين
ما أحرانا أن نقف وقفة ملؤها الشكر والامتنان لخالقنا الواحد المنّان ، الذي حبانا بنعمه التي لا نقوى على حصرها وإحصائها ! .
تلك الخواطر التي تراودني كلما زرت الحرمين الشريفين ، فأحمد الله على فضله الذي حباني ، وهيّأ لي الأسباب ؛ لأحظى بزيارة الحرمين ؛ لأداء فريضة الحج ، أو لأداء مناسك العمرة ، امتثالًا لقول الله تعالى : " وأتمّوا الحجّ والعمرةَ لله " البقرة : 196 .
وعندما أرى اجتماع ملايين البشر في الحرمين ، سواء في موسم حج ، أو في أي وقت على مدار العام ، مسبّبًا الزحام الذي نراه ، ونلمس أثره ، تتفجّر في نفسي خواطر لا تفارق خلدي ، أنّ اجتماع الناس سبّبه هدف واحد وغاية واحدة ، وذلك دليل على أنّهم يمتثلون لخالق واحد ، وحّد قلوبهم وإيمانهم ، فأدّوا جميعهم العبادة ، على نحو موحّد لا خلاف فيه كما أمر وشرع ، وأنّ هذا الخالق عزيز مقتدر ، ودليل قدرته أنّه وحّد قلوب البشر على اختلاف ألوانهم وألسنتهم ، إلى الحد الذي ذاب فيه هذا الاختلاف أثناء أدائهم للعبادة ، وأنّ رسولنا ونبيّنا محمّد خاتم الأنبياء والمرسلين خير البشر قدوتنا ، وخير أمتنا لم يأسر قلوب المسلمين بمال ، أو جاه ، أو سلطان ، وإنّما أسرها بحسن خلقه ، خلقه الذي كان سببًا في نجاحه ، حين حقّق غايته السامية المتمثلة في نشر رسالته في أرجاء العالم .
فما أحرانا ، وما أحوجنا للاقتداء بنبينا محمّد صلى الله عليه وسلّم ! ، الذي كان خلقه القرآن ، وللأثر العظيم الذي يحدثه حسن الخلق في نفوسنا ؛ ولما يبثّ من خير ورحمة في حياة الناس ، كان أحسن الناس خلقًا أقربهم منزلة من نبينا محمّد صلى الله عليه وسلّم ، وأحسنهم جزاء ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : " إنّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا ، الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا ، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ " .
ولنحظى بهذه المنزلة الكريمة علينا التحلي بحسن الخلق ، في التعامل مع الناس ، على اختلاف عقائدهم وألوانهم ولغاتهم , متوّجًا بالعدالة والتسامح والمودّة ، ونبذ العصبية ؛ لتتحد كلمتنا ، ويسود رأينا ، ونتغلب على أسباب ضعفنا ، وتصغر في عيوننا مفاتن الدنيا وحوائجها ، ونرتقي من الرغبة في خدمة أنفسنا إلى الرغبة في خدمة أمتنا ، ويصبح تحقيقنا لذواتنا بمقدار ما نحقّق لها من رقيّ وازدهار ؛ لنثبت بصنيعنا هذا إرادة الله عزّ وجلّ ، كما في قوله : " كنتم خير أمّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " ، آل عمران : 110 ، وبذا تتحقّق لدينا سيادة الأمم بالتزامنا بما حثّ عليه ديننا ، مجلّلًا بحسن الخلق .
د. حنان أبو لبدة
كلية الآداب بأبها / جامعة الملك خالد